قرب الشلال

قرب الشلال

قرب الشلال

قرب الشلال

1-كانَ الليلُ قدْ تعبَ منَ السهرِ، وكنتُ قدْ تعبتُ منَ الأحلامِ العقيمةِ(1)، فسِرتُ نحوَ الشلّال بروعةِ السَحَرِ وانبلاجِ الفجرِ مبشِّرًا بصبحٍ هادئ رصين.

2- وراحتِ الأشعّةُ الواهيةُ تضربُ أبوابَ الشروقِ بشفافيّةِ خيوطِها، فترتجفُ آخرُ نجمةٍ في الفضاءِ، أو تبدو كأنَّها (ترتجفُ). وينبلجُ الصباحُ شيئًا فشيئًا، ويقوى النور على الظلامِ. 

3- كنتُ (أَحِسُّ) وقْعَ أقدامِ الصباحِ على أديمِ الأرضِ وأشعرُ بنعومةِ انحداره على السفوحِ. وكانَ الصباحُ يشرقُ في نفسي، فأبتعدُ عنْ ظلامِ العالَمِ وعنْ ظلمتِهِ وظلمِهِ. 

4- كنتُ أصغي بانتباهٍ، فأدركُ بأسماعي تنفّس النباتاتِ والأزاهيرِ والبراعمِ والوريقاتِ، وألمسُ لمسَ الفكرِ تمشّي الحياةِ في جسومِ المخلوقاتِ. 

5- وانسحبتْ فلولُ(3) الظلامِ، وكرجَتْ حبّاتُ الضوءِ على جبينِ البُكورِ(4)... وأشرقَ الصباحُ في الطبيعةِ! وأشرقَ الصباحُ في نفسي، فصرتُ أرى في الوردةِ سعادةَ اللونِ والرائحةِ، صرتُ أرى الجمالَ والعطاءَ. 

6- ووصلتُ... قربي شلّالٌ مندفعٌ بصخَبٍ وقوّةٍ وانصبابٍ يبهرُ النظرَ، وبخارُ ماءٍ مذرورٌ(5) في دنيا جمالاتٍ، وغُييماتٌ مسافرةٌ في الضوءِ، وجدولُ فراشاتٍ ملوّنةٌ ترفُّ فوقَ وجهِ الماءِ. 

7- ما أحبَّ تغلغُلَ الماءِ بينَ الحصى ولمعانَهُ تحتَ نورِ الشمسِ! وما أحلاه ينسابُ خرخرةً في عمقِ المجاري المرسومةِ على الصخورِ! رذاذٌ يشيلُ(6) منْ قلبِكَ الضجرَ، ويغسلُ ذاكرتَكَ منْ كلِّ أدرانِ(7) الحرائقِ والحروبِ والدخانِ الأسودِ، ويحملُكَ إلى عالَمٍ كلّه هدوءٌ واطمئنانٌ وسعادةٌ. 

8- وحدي هنا قرب الشلّال، قرب ماء يتحرّك، وتحت ظلّ روض ظليل، ومع مخلوقات مجنّحة، شعرت بالسعادة وبالسموّ؛ فهل الماء المتحرّك يسعدنا؟ وهل الأجنحة ترفعنا نحو العلاء وتقرّبنا من النجوم؟!

                ميخائيل مسعود

                "زهرة الدفلى"