الصبي الأعرج
الصبي الأعرج

الصبي الأعرج.
كان اسمُهُ خليل، ولكنّ النّاسَ لا يعرفونَه بهذا الإسم. هم يسمّونه الأعرج ، حتّى كان ينسى هو نفسه اسمه الحقيقيّ.
في الثّالثة عشرة من عمرِهِ، على وجهِهِ بقعٌ من الغبارِ المزمنِ ، يجرّ طوالَ النّهار وقسمًا كبيرًا من اللّيل رجلَهُ العوجاء من مكانٍ إلى مكانٍ ويمدّ كفَّه ويبتسِمُ ابتسامتَه الباكيَة.
هو مختلفٌ عن رفاقِه،لا يجيدُ الثّرثرة، بل يبقى صامِتًا كالأخرسِ ، لولا عيناه النّاطقتان بألفِ لغزٍ من ألغازِ الطّفولةِ المقهورَة لظنّهُ النّاس صنمًا.
الأعرجُ يسكنُ كوخًا من تنكٍ في حيٍّ فقيرٍ من أحياءِ فرن الشّباك تحت حمايَة العمّ ابراهيم ، شحّاذٌ متقاعدٌ بين الخمسين والخامِسة والخمسين من عمرِه، رجلٌ قاسٍ لا يعرفُ الرّحمةَ ، يحبُّ أن تحظى يدُهُ من يدِ الأعرجِ بخمسينَ قرشًا كلّ مساء، وكلّ قرشٍ ينقصُ سيكونُ مقابلُه ضربةَ عصا تُدمي القلوب .
ذات يومٍ ، رجعَ الأعرجُ إلى الكوخِ مطرودًا من الشّوارعِ بمفاجأةٍ عَظيمَةٍ، فالحكومَةُ قد سنّتْ قانونًا يمنعُ التسوّلَ ، قعدَ الأعرجُ على حافّة الطّريقِ يبكي ويشهق ، فمن الآن وصاعدًا سيلقى خمسينَ ضربَة، ولكنّ العمّ ابراهيم كان مطَّلعا على كلّ شيء ، فسامَحَه قائلا :" ستصبحُ تاجرًا كما تريدُ الحكومَة ُ، واشترى له صندوقةً مليئَةً بالخبزِ الطّازجِ، ودلّهُ على الفرنِ الّذي سيشتري منه يوميًّا ويبيعُ المارّة .
القدرُ يخبئُ للأعرجِ صفعةً قويّةً ، فلمّا أظلمَ اللّيلُ وهمّ بالرّجوعِ إلى الكوخِ، دنا منه ثلاثة صبيان... تقدّمَ زعيمُهم ذو القنباز الطّويل ينفخُ كالأسدِ وهجَموا على الصّندوقةِ للرّيح، يزدَردون الحلويّات ويقَهقِهون.
ذاتَ مساء ، أوقفَهم كريمُ الحلواني وأخبرَه الأعرجُ بكلّ شيءٍ، فوعدَه أن يعلّمَه كيف يتغلّبُ على هؤلاء الشّبّان ، فكريم كانَ من القبضاياتِ المشهورين في الحَيّ.
كانَ الأعرجُ يتدرّبُ كلَّ يومٍ من السّيّدِ كريم أصولَ الملاكمَة .
ذاتَ مساءٍ، أقبلَ الغلمانُ الثلاثةُ باتّجاه الأعرجِ، وما إن همَّ زعيمُهم بإدخالِ يده في الصّندوقَةِ ، حتّى ضربَه الأعرجُ ضربةً على يافوخِهِ فانطرحَ تحتَه على الأرضِ، وكان لرفاقِهِ نصيبٌ من الهزيمَة أيضًا ....
ثمّ انحنى الأعرجُ على الصّندوقَةِ ، فأخذَ قطعَ الخبزِ المتبقّيةِ وتناولَها الواحدة تلوَ الأخرى ، ومشى يبحَثُ عن الغِلمانِ يمينًا وشِمالا لِيُرِيَهم كيفَ تُؤْخَذُ الثّارات...
توفيق يوسف عوّاد. الصّبيّ الأعرج