التقاليد والأخلاق

التقاليد والأخلاق

التقاليد والأخلاق

 الموضوع :

 كثيرا ما كان فخر الجاهليين جماعيا بالقبيلة . حاول  ، من خلال المعاني التي ذكرها عنترة  وفي ضوء حياته الخاصة ، أن تبيّن لم اقتصر فخره على شخصه ؟ وهل نجح في توضيح الأسباب وتفسيرها؟  وما الغاية من مبالغته في الفخر؟

    توسيع الموضوع :

      المقدمة : تعدّدت قيم الفروسيّة في العصر الجاهلي ، فكانت دعامة ذلك العصر حيث تغنّت بها القبائل معتبرة تلك القيم غاية الجاهلي بل كل ما يترتب عليه تجاه قبيلته . أبرز تلك القيم الفخر القبلي ، حيث يعمل على رفع شان القبيلة وتعزيز موقعها وثباتها ، إلا أنّ عنترة جنح عن هذا الفخر ليستبدله بالفخر الذاتي . لكن جملة من الأسباب قد دفعت بالشاعر نحو ذلك . فما هي تلك الأسباب في ضوء ما عرفناه ؟ وهل نجح في توضيحها وتفسيرها ؟

العرض:

    الفخر الذاتي صفة غير مألوفة في مجتمعنا اليوم ، فهي لا تعود على صاحبها إلاّ بالسخرية والرفض، أمّا ما جاء به عنترة فقد خضع لأسباب قلبت موازينه ، فأتى فخراً محبّباً رغم الغلوّ الذي خيّم على المعلّقة باكملها . لعلّ من جملة الأسباب التي دفعته إلى ذلك الفخر بيئته التي عاش فيها مكبّلا بقيود العبوديّة أعزّهم عليه ، والده الذي لم يعره أيّة اهميّة رغم شهامته وشجاعته ومساعدته في أصعب المحن ، إلاّ أنّ تركيبة المجتمع القبلي تستدعي ما قام به أبوه من تصرفات هي وليدة ذلك المجتمع الجاهلي ، فخيّم على حياته الخاصة ظلام دامس أطفأ شعلة قلبه الذي علق بابنة عمّه عبلة ، فأحبّها بِوَلَهٍ ، وبادلته هي الحبّ نفسه لكن ذلك تحت ستار لم يسمح لهما بالتعبير المباشر ، فذكرها في معلّقته الشهيرة ليظهر لها حبّه وبطولته وسعيّه لإرضائها والوصول إليها :

ولقد ذكرتك والرّماحُ نواهلٌ منّي        وبيض الهند تقطر من دمي 

وودت تقبيل السيوف لأنّها               لمعت كبارق ثغرك المتبسّم 

    لكنّ معاناة عنترة والصعوبات التي اعترضت حياته لم تقتصر على ذوي القربى فحسب ، بل تعدته لتشمل رجلاً من بني عبس حاول ازدراء عنترة والنيل من كرامته فأضرمت النيران داخل الشاعر وراح يقذف الحمم اتجاه كلّ من يستخفّ به او يحاول تحقيره :

إن تغدفي دوني القناع فإنني     طبّ بأخذ الفارس المستلئمِ 

ومدججٍ كره الكماة نزاله        لا ممعنٍ هربًا ولا مستسلمِ

    إن فخر عنترة في معلقته لم يتخذ منحى القوة في ردع الأعداء فقط بل تعدّاه ليشمل فخره بشيمه التي تمتّع وعرف بها من كرم وسماحة وعفّة وشرف وذود عن العرض وتلك أسمى درجات الأصالة والشهامة لدى العربي الجاهلي ومن تلك الأبيات :

  هلّا سألت الخيل يا ابنة مالكٍ     إن كنت جاهلة بما  لم  تعلمي 

يخبرك من شهد الوقيعة أنّني      أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم 

     لقد جمع عنترة صفات الجاهلي المبدع ، فبرع في الشعر والفروسيّة معاً وهذه أرقى الدرجات، وإمارة على الكمال الأخلاقي في النموذج الرجولي الجاهلي ، فقدراته الذهنيّة ساعدته في الوصول إلى مبتغاه ليحقق ذاته ، وإن كان فخره فيه غلوّ ومبالغة ، إنما أتى فخرا ناجماً عن صراع دام سنين لينتصر في نهاية المطاف .

     بعد ان استعرضنا فخر عنترة وهو أمرٌ مُسَلّمٌ به ، وبعد اطلاعنا على حياته الخاصة وظروفه العصيبة والصعوبات التي جعلت منه إنسانًا ثائرا متحمسًا مضحيّا دون وجلٍ أو ترددٍ ، تمثلت بصعوبة اعتراف الأب بابنه وازدراء ابن بني عبس من الشاعر واستخفافه به وصولاً إلى التركيز على سماحة وعفّة وكرم وشرب عنترة للخمر ، ووفائه لقومه رغم خذلانهم له واستبساله في الدفاع والذود عنهم . يبقى السؤال الذي يطرح نفسه : هل تستحقّ الظروف كلّ تلك الضوضاء و الثورة عليها ؟ أم انّ عنترة قصد المبالغة بهدف مشاركتنا معاناته فنعذره على تصرفه الهجومي الحماسي الشرس ؟