الأدب وعناصره

الأدب وعناصره

الأدب وعناصره

الأدب وعناصره

... إذا تساءَلْنا عن مصدر المتعة والمنفعة في العمل الأدبيّ، أَمْكَنَنا أن نصلَ إلى الحديث عنِ الأدب نفسِه. فلماذا كان الأدبُ ممتعاً ونافعاً؟

قال هِدْسِن: "إنّ عنايتنا بالأدب ترجِع إلى أهميّته الإنسانيّة العميقة الباقية. فالكاتب العظيم يَستمدُّ مباشرةً من الحياة، وحين نقرأُه نستكشفُ، ما بين أنفسِنا والحياة، علاقاتٍ كثيرةً وطيدةً وجديدةً. فالأدبُ سِجِلٌّ لِمَا رَآهُ الناسُ في الحياة، وما خَبِرُوهُ منْها، وما فَكَّروا فيه وأحسّوا به... وهو بذلك يُعَدُّ تعبيراً عن الحياة وسيلته اللّغة".

فالمتعةُ والنفعُ اللذان نتحدّثُ عنهما في الأدب، مصدرهما تلك الأسياءُ التي نجِدُها في العمل الأدبيّ، والتي لها أهميّةٌ إنسانيّةٌ؛ فبمقدار ما لهذه الأشياء من أهميّة، يكون إمتاعُها ونفعُها لنا. وقد قال هِدْسِن في العبارة السابقة: "الأدب تعبير عن الحياة، وسيلتُه اللّغة". وهنا نقول إنّ هذه الصلةَ بينَ الأدبِ والحياةِ هيَ السرُّ في ما يتضمّنُ من متعة ومنفعةٍ، لأنّنا نُحِبُّ أن نرى الحياةَ منقولةً إلينا، نحبُّ أن نجلسَ في مكانِنا، لنشاهدَ الحياةَ تمرُّ بنا جزئيّاتُها، في سلسلةٍ متّصلةِ الحلقات (... قراءة كتاب، مشاهدة أحد الأفلام، أو إحدى المسرحيّات). ولكنّ قيمة الكتاب الذي نقرأُه، أو الفيلم الذي نُشاهدُه، لا تقفُ، عادةً، عند مجرّدِ قضاءِ سُوَيْعاتٍ، في استعراض مشاهدَ ممتعةٍ منَ الحياة، بل إنّنا نمضي، بعد الفراغ منَ القراءة أو المشاهَدَةِ، لنُنَاقشَ ما قرأْنا وما شاهدْنا. وكثيراً ما نُنَاقشُ أنفسَنا، بسبب كتابٍ قرأْناه. وهناك كتبٌ غيّرَتْ من منهجِ حياة قارئيها تغييراً كاملاً. وهنا يتمثَّل ما للأدب من نفعٍ، حين يعمّقُ  فهْمَنَا للحياة، بل أكثرُ من هذا، حين يوَجِّهُ حياتَنا. فالأدبُ يُسْتَمَدُّ منَ الحياة، ويدفعُ الحياةُ ويوجّهُها. 

مادّةُ الأدب إذاً، هي الحياة؛ وانْتِقَالُ هذه المادّة إليْنا يُحْدِثُ في نفوسِنا المتعةَ وقد يُشكِّلُ حياتَنا. 

ولكن، هل هذا، حقّاً، هو كلُّ شيءٍ في الأدب: أن ينقلَ إلينا الحياة؟ لا شكَّ أنّ الأدبَ يشتملُ على عناصرَ أخرى:

أوّلاً: هناك العنصرُ العقليُّ،  ويتمثّلُ في الفكرةِ التي يأتي بها الكاتبُ...

ثانياً: هناك العنصرُ العاطفيُّ، وهو الشعورُ( كائناً ما كان نوعُه) الذي يثيرُه الموضوعُ في نفسه...

ثالثاً: هناك عنصرُ الخيالِ، وهو في الحقيقةِ القدرةُ على التأمّلِ القويِّ العميقِ.(الصور الفنّيّة والتضمينات والرموز) 

رابعاً: هناك العنصرُ الفنّيُّ، أو عنصرُ التأليفِ والأسلوبِ. وهو يتشكّلُ في أثناءِ التأليفِ.

هذا معناهُ أنّ الأدبَ يقوم على عناصرَ، بعضُها بمثابةِ المادّةِ (الحياة- العقل- الخيال- العاطفة)، وبعضُها يتحقّقُ في التكوينِ، أي بناءِ العملِ الأدبيِّ (العنصر الفنّيّ أو الأسلوب).

                      عزّ الدين إسماعيل- الأدب وفنونه

                      دار الفكر العربي – القاهرة- 1973 (بتصرف)