إلى ولدي

إلى ولدي

إلى ولدي

إلى ولدي في يومه الأوّل بالمدرسة

بنيَّ!..

لقد عدتُ تَوًّا(1) من وداعك.. وجلستُ أكتب لك هذه الرّسالة. لن تقرأها اليوم، ولكنّ رجلتك، هذا الصّباح، (هي سبيلك) إلى قراءتها في يوم قريب. ولكن ما أخشاه هو (أن تصبح رسالتي)، آنذاك، عديمة الفائدة بالنّسبة إليك، إذ إنّ الوصايا الّتي تتضمّنها هي زاد لسبيلك الجديد؛ فأنت ذهبتَ، هذا الصّباح، إلى المدرسة.

حين (وصل "الأوتوكار")، يا صغيري، كِدْتَ (تطير فرحًا)... فهزّ كياني زَهْوٌ(2) وأمَل، و(أنا أراك) تنقل خُطاك فوق دُروب الاستقلال.

إيّاك أن تعتدي على أحد ، يا بنيَّ، ضعيفًا كان أم قويًّا، لأنّ اعتداءك على الضّعيف صَغارة(3)، وتَحَرُّشَك بالقويّ استِفزاز... أمّا إذا حاول أحدهم (أن يقيس مَقْدِرَتك)، فلا تبخل عليه، ذاكرًا (أنّ القوّة الّتي أتحدّث عنها لا تنحصر في العضلات).   

سِرْ في سبيل الحقّ عمرَك، واتّخِذِ الحكمة بيتًا لك. احترِم الإنسان حيثُما كان، ومَن كان، فهو أعظم ما في الوجود.

عِشْ حاضرك، متطلِّعًا أبدًا إلى الغد، تاركًا لك في الماضي زاوية حميمة دافئة.

أحِبَّ، وأحِبَّ، وأحِبَّ.. فَبِالمحبّة فقط (تغتسل النّفوس)، لـ (تصبح بنَقاوَة الثّلج). ومن أهمّ الأشياء الّتي تحبّها بعد اللّه، تربة بلادك. أعطِها كلّ ما لك، لأنّك هِبَتُها.  

قد يُواجهك الكسل في أكثر من مجال، فلا تَهَب أو تتراجع، بل أَعِدِ الكَرَّة، وفكِّر فيه عدوًّا (يمكنك التّغلّب عليه).

تَواضَع في انتصاراتك، وإيّاك والغرور، فهو (كالسّوس) (يَنْخَرُ) وجود الإنسان، وقد يُفنيه.

تَعَلَّم كيف تُصغي لكلّ ما يُقال، وغَرْبِل الأقال في فِكرك بتجرُّد.

تَعَلَّم كيف تعيش في الطّبيعة وتَسْعَد. 

الكذب خَساسة(4)، فاخْتَر جُلَساءك من الصّادقين، وسِر بعيدًا عن الدُّروب المُلْتَوِيَة، وكن صادقًا مع نفسك قبل الجميع.

وأخيرًا يا بنيّ، إنْ لم تُفِدْكَ وصاياي، أرجو أن أستفيد منها أنا على الأقلّ.

                                                                    أمّك.

إميلي نصر اللّه / 1961