أزمة تربوية

أزمة تربوية

أزمة تربوية

أزمة تربويّة مستمرّة

 نعمْ، لقدْ عبرَ هذا الجهازُ الألفيّةَ الثالثةَ وبانتصارٍ ساحقٍ على الوسائلِ الأخرى، إلى الحدّ الّذي قلبَ الجيلَ كلّه، وعلى الأخصِّ الطفل الذي خضعَ لإغراءِ الشاشةِ كثقافةٍ سهلةٍ ومعولَمةٍ(1) على جسمِ الأسرةِ من صغيرِها إلى كبيرِها. فالشاشةُ تشرّبه كمًّا هائلًا منَ السمومِ الّتي تكتنفُ(2) الدعايةَ وأشكالَها المتعدِّدةِ المضامينِ، والّتي لا تبغي(3) سوى أسرِ الطفلِ بين محطّاتِ الفيلمِ، أيّ فيلم وكيفما كان، حيثُ يُترَكُ للولدِ الحرّيّةُ الكاملةُ في المشاهدةِ وتقليبِ المحطّاتِ باعتقادِ الأهلِ بأنّه الملاذُ واللاهي.

لقد بدأَ التلفازُ رحلتَه كدخيلٍ(4) تقنيّ وجاهزٍ لكي يبثَّ ويُمليَ(5) على طفلِنا ما يريدُ، قابِضًا على ملَكاتِ(6) هذا الطفلِ الّذي قبِلَ بشكلٍ سحريٍّ بألّا يتكلّمَ ويُعبّرَ، وبأنّ الصورةَ ستتحدّثُ عنه وتعلّمُه ما يريدُ ليُطبِّقَ على أقرانِه وأهلِ عائلتِه ما شاهدَه منْ عنفٍ آتٍ مِنْ ثقافةِ الغربِ الّتي لا تمثّلُ إلّا أهلَها وحضارتَها؛ فالشواهدُ المعيشةُ كثيرةٌ في هذا الإطارِ في مجتمعِنا الحاضرِ.

لقد باتت المطالعة لهذا النشء عبئًا ثقيلًا على أفئدتهم وعقولهم، وأمرًا واجبًا عليهم لرفع العتب وإسكات الأهل بأنّ ولدهم يدرس لأجلهم، فقط من أجل أن يتفرّغ لمطالعة من خلال الصورة، وعنْ قربٍ، حتّى صارَ هذا الجهازُ ، وهوَ ذو سيّئاتٍ مقبولةٍ، الخليلَ والصديقَ، لعدمِ وجودِ البدائلِ معَ الأهلِ كعلاقةٍ يُفترَضُ أن تكونَ حواريّةً...

وعلى الرغمِ من ازديادِ استياءِ بعضِ الآباءِ من تدخّلاتِ التلفازِ في الحياةِ الأسريّةِ، وعلى الرغمِ منْ شعورِهم بالذنبِ لعجزِهم عنِ السيطرةِ على مشاهدةِ أطفالِهم للتلفازِ، فإنَّهم لا يقومون فعلًا بخطوةٍ جدّيّةٍ للتخلّصِ من هيمنتِه على حسابِ تعويدِ الولدِ على المطالعةِ ولو لأنواعٍ منَ الثقافةِ المناسبةِ لسنِّه، واستمالتِه من تحكّمِ الصورةِ بملكاتِه.